التعليم عن بعد و التعليم الالكتروني ماذا و كيف؟
بقلم الأستاذ سعيد مشواط
مدخل: التعليم عن بعد، التعليم الالكتروني: قبل الحديث عن التعليم الإلكتروني، أو ما يسمى E-learning ، لابد من التكلم على التعليم عن بعد Distance-learning. تبدو العبارتان متشابهتين و لكن هناك بعض الاختلافات يجب التطرق إليها، فكما تعلمون، فقد كانت دولة كندا سباقة في هذا المجال منذ أربعينيات القرن الماضي، وحينذاك لم تكن لا حواسيب و لا أنترنيت، بل كان هناك نظام التعليم و التكوين عن بعد.
فكندا، دولة شاسعة المساحة، يستقر مواطنوها في مناطق متباعدة مما يحول دون إمكانية تنقل المتعلمين إلى المدارس يوميا بالإضافة إلى المعيقات المناخية، و هكذا فقد استطاعت أن تخلق منظومة جديدة هي التدريس/التعلم/ التكوين عن بعد بطبع مقررات مهيكلة بيداغوجيا، و تقوم بإرسالها للمتعلمين عبر البريد، و تتلقى الأجوبة على التمارين و حتى الامتحانات عبر البريد كذلك.
و مع تقدم السنوات وتطور وسائل التواصل، فقد تطورت بيداغوجيات التعليم/التعلم عن بعد بإدراج الراديو و التلفاز و الهاتف في هذه العملية،
و بانتشار الحواسيب، تم إدماج هذه الوسائل في التدريس إما حضوريا في القسم أو عن بعد باستعمال وسائط رقمية ك Disk أو CD-ROM . هنا كان للانترنيت دور كبير في المرور إلى فلسفة جديدة ل التدريس/ التعلم و التي هي التعليم الإلكتروني، هذا التعليم قد يستعمل حضوريا أو عن بعد و يتيح عدة آليات لبناء المعرفة من طرف المتلقي بالاعتماد على هندسة محكمة للدرس الإلكتروني أو ما يسمى Scénarisation pédagogique، و بالتالي فالتعليم عن بعد أصبح فقط نوعا من أنواع التعليم، و التعليم الالكتروني خاصة.
أنواع التعليم الالكتروني:
و هنا يمكن الإشارة إلى بعض نماذج التعليم الالكتروني:
• التعليم عن بعد كليا: مثل ما توفره بعض الجامعات الدولية عن طريق شهادات اجتياز الميكروماستر أو MOOC أو تكوينات مستمرة Formations continues.
• التعليم الهجين Hybrid Learning: والذي يزاوج بين التعليم الحضوري و التعليم عن بعد و كحالة خاصة ما يسمى بالقسم المقلوب Classe inversée “Flipped classroom.
• التعليم الإلكتروني الحضوري باستعمال وسائل تساعد على تحفيز الفهم والتفاعل ، على سبيل المثال برامج المحاكاة simulation , أو البيداغوجيا الحركية Pédagogie active
إختيار نموذج التدريس عن بعد هناك عدة عوامل تؤدي إلى اختيار نموذج التدريس عن بعد و من بينها :
• نوع المادة المدرسة، فالإعداد والإلقاء وحتى التقييم يختلف من مادة لأخرى و بالتالي نوع النموذج التدريسي.
• نوع المتمدرسين و كفاء اتهم الرقمية ، هل يتوفرون على حاسوب؟ هل يتوفرون على الربط بشبكة الانترنيت؟ هل يجيدون استعمال برامج التعلم عن بعد؟….
• نوع المدرس و مدى انخراطه في العملية، والتي تستلزم نوعا من المجهود من نموذج إلى آخر
و عموما، فكل النماذج يمكن تصورها و تطبيقها، يجب فقط أن يتم رسمها بطريقة بيداغوجية ملائمة لإكراهات الأستاذ و الطالب، و إعلانها في بداية الدرس، مع تحديد الأهداف و الوسائل، ثم الجدولة الزمنية، كما هو الحال في القسم.
أسباب النجاح:
يمكن العودة هنا إلى ما قاله ابن خلدون ، حيث إن أهم أسس التعلم هو الرغبة والنية، رغبة المتلقي في التعلم و نية المدرس في إبلاغ المقصود، هنا يمكن اعتبار المدخل الصحيح لنجاح كل عملية تعليمية. جون جاك روسو أضاف عاملا أساسيا كذلك و هو الحاجة، و كما تعلمون الحاجة أم الإختراع، فعند إحساس المتعلم بحاجته للتعلم و ما سيترتب عن ذلك من تحسين لوضعه المعرفي أو غيره فسيقوم بالواجب ليتعلم .
و هكذا فالتعليم الالكتروني وسيلة مهمة تسهل عملية الإلقاء والتلقي، و ليست هي الغاية في حد ذاتها، لكنها تساعد في عملية التواصل بين الأستاذ و طلبته بطريقة أخرى، و تساهم في بناء المعرفة و المعرفة الجماعية. لهذا فالعمل البيداغوجي في الكواليس هو ما يحقق نجاح أو فشل التجربة الالكترونية كما هو الحال في القسم.
التقييم: لا بد من الحديث عن التقييم كذلك لأنه جزء من العملية البيداغوجية، و كما تعلمون، خلال التعلم نقوم بثلاث عمليات تقييم: تقييم مباشر للفهم و هو ما يتم بإلقاء أسئلة مباشرة بعد شرح وحدة ما، و هناك التقييم المرحلي في إطار ما يسمى بالمراقبة المستمرة و التقييم النهائي أو الامتحان النهائي.
بالنسبة للنوع الأول فيتم بطريقة بسيطة جدا و ممتعة في التعليم الالكتروني، بينما يكون أكثر صعوبة لا من ناحية الوضع و لا من ناحية الإنجاز في الحالة الثانية، أما الإمتحان فيستلزم نوعا من اللوجستيك الخاص لتفادي عمليات الغش خصوصا.
ماذا عن التعليم الإلكتروني مستقبلا؟:
الملاحظ هو أن كثيرا من المواد سوف تدرس بهذه التقنية مستقبلا، أقول المواد و ليس التكوينات. و لذلك أظن أن مستقبل التعليم هو التعليم الهجين Hybride الذي يتأرجح بين الحضوري و البعدي، حتى يمكن من تدريس ما يمكن تدريسه عن بعد وتدريس ما يلزم حضوريا في قاعات الدرس او المختبرات.